ابن حزم وعنوان مؤلفه ‘طوق الحمامة’: دراسة في الحب والعواطف الإنسانية

نبذة عن كاتب “طوق الحمامة” ابن حزم الأندلسي

نبذة عن كاتب “طوق الحمامة” ابن حزم الأندلسي
نبذة عن كاتب “طوق الحمامة” ابن حزم الأندلسي

ابن حزم الأندلسي يُعرف بأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي. وُلِد في مدينة قرطبة عام 384 هجري، واشتهر بموهبته في مجالات متعددة مثل الشعر، والأخبار، والأدب، بالإضافة إلى مشاركته في المنطق والفلسفة. نشأ ابن حزم في عائلة ميسورة، حيث كان والده من كبار المدينة، مما ساعد على تنمية ذكائه وقوة عقله، ونتج عن ذلك تأليفه للعديد من الكتب القيمة.

من أبرز أعماله كتاب “الإيصال إلى فهم كتاب الخصال” و”الخصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام”. ومن مؤلفاته الفقهية نجد “المجلَّى” و”المُحلَّى في شرح المجلَّى بالحجج والآثار”. كما كتب “اختلاف الفقهاء الخمسة: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود”، و”التصفح بالفقه”. في مجال الحديث، نجد له كتاب “الجامع في صحيح الأحاديث”، وفي مواضيع الحب كتب “طوق الحمامة في الألفة والأُلاف”.

كتاب “طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف”

كتاب “طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف”
كتاب “طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف”

ألف ابن حزم كتاب “طوق الحمامة” أثناء وجوده في مدينة شاطبة عام 417هـ، حيث اعتمد في كتابته على المناهج التجريبية، والملاحظة، والتحليل للحصول على النتائج، وهذا يظهر جليًا في تناولاته العاطفية الواردة في الكتاب. من الجدير بالذكر أن ابن حزم تناول في هذا العمل قضايا تتعلق بالجمال في العواطف النفسية، مسلطًا الضوء على الظواهر النفسية ومرجعيتها. ويُعتبر الكتاب نتاجاً لمشاعر ابن حزم القلبية، حيث أبدع في وصف الحب بألوانه المختلفة، إذ يقول في إحدى علامات الحب: “ومن علامته لكل ذي بصر الانبساط الكثير الزائد، والتضايق في المكان الواسع”. وبتأمل ما سجله في أنواع الحب، ندرك أن هذه الكتابات لا تُسجل إلا قلم صاحب إحساس عميق.

أسباب تأليف “طوق الحمامة”

أسباب تأليف “طوق الحمامة”
أسباب تأليف “طوق الحمامة”

كان الدافع الرئيسي لابن حزم لتأليف هذا الكتاب هو تحقيق رغبة صديقه الذي اقترح عليه كتابة رسالة تتعلق بالحب وأسبابه. كان يحلم برسالة تصف الحب بواقعية من دون مبالغات، إلا أن هذه الرغبة تحوّلت إلى مطلب حقيقي يتماشى مع شعوره بلذة استعادة الماضي. إضافة إلى ذلك، قدّم في كتابه واقع الحياة الأندلسية آنذاك، وطبيعة العلاقات العاطفية والاجتماعية فيها. كما لعبت هواجس ابن حزم بشأن المحافظة على الأهل والولد وتحقيق الرزق من خلال الكتابة دورًا هامًا في التأليف، مما أضفى على دراسته عُمقًا وصراحة.

تحليل عنوان “طوق الحمامة”

تحليل عنوان “طوق الحمامة”
تحليل عنوان “طوق الحمامة”

يحمل عنوان الكتاب دلالات تعكس الثابت والمتغير؛ حيث تتجاوز ألفاظه معناها السطحي لتنطوي على سياقات دلالية عميقة. تشير كلمة “الطوق” إلى مجموعة من الوحدات المتكررة، حيث تظل كل وحدة بداية ونهاية بشكل متوازٍ، موازٍ لمحتوى الكتاب وما يُقرأ فيه. بينما ترتبط كلمة “الألفة” بكلمة “الطوق”، إذ تحمل معاني الثبات والتكرار، حيث تنشأ الألفة كعادة. ومع ذلك، فإن كلمة “الأُلّاف” تشير إلى التعدد والتغيير، مما يعكس الحركات الدلالية التي سعى ابن حزم إلى توضيحها في كتابه.

أقسام ومحتويات “طوق الحمامة”

أقسام ومحتويات “طوق الحمامة”
أقسام ومحتويات “طوق الحمامة”

يحتوي كتاب “طوق الحمامة” على ثلاثين بابًا، حيث تناول عشرة منها أصول الحب، وتدرجاته، وأعطى أهمية بالغة لجنبه العاطفي. كما شمل الكتاب اثني عشر بابًا حول أغراض الحب، محمودة كانت أو مذمومة، بالإضافة إلى ستة أبواب تناولت آفات الحب. اختتم ابن حزم كتابه بأهمية التزام التعفف كعلامة على التديّن.

قسّم ابن حزم الكتاب بشكل منهجي، حيث قدّم أربعة أبواب تتعلق بالنواقص في الحب، وهي: الرقيب، الواشي، البَيْن، والسلو. قام ابن حزم بتسمية الأبواب دون تصنيفات فرعية، متبعًا تسلسل أفكاره. وفيما يلي التصنيفات وفق أبواب الحب تبعاً لما أدرجه ابن حزم في المقدمة:

أبواب أصول الحب

أبواب أصول الحب
أبواب أصول الحب

في باب “ماهيّة الحب”، يُعرف ابن حزم الحب بقوله: “الحب -أعزّك الله- أوله هزل وآخره جدّ، دقّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، ولا تدرك حقيقتها إلّا بالمعاناة”. فيما يلي أبواب أصول الحب العشرة:

  • الكلام في ماهيّة الحب: يصف فيه الحب بأنه داء ودواء.
  • باب علامات الحب: يذكر فيه العديد من العلامات مثل إدامة النظر.
  • باب من أحبّ في النوم: يتناول الحب في الأحلام.
  • باب من أحبّ بالوصف: يتحدث عن الحب الذي لا يستند إلى الرؤية المباشرة.
  • باب من أحب من نظرة واحدة: يُنبه فيه إلى سطحية ذلك النوع.
  • باب من لا يحب إلا مع المطاولة: يعرض فيه عن الحب الذي يتطلب الاقتراب.
  • باب التعريض بالقول: يتحدث عن التلميح في الحب.
  • باب الإشارة بالعين: يسرد دلالات حركات الأعين.
  • باب المراسلة: يتحدث كيف يستشعر المحب بلذة التواصل الكتابي.
  • باب السفير: يتناول محاولة المحبين تبادل الرسائل.

أبواب أعراض الحب

أبواب أعراض الحب
أبواب أعراض الحب

أعراض الحب، كما يصفها ابن حزم، “مُتباينةٌ في الزيادة والنقصان”، وتتضمن الأغراض المحمودة والمذمومة.

  • باب المساعد من الإخوان: يتناول صفات الصديق المخلص في الحب.
  • باب الوصل: يسرد أهمية التواصل في الحب.
  • باب طي السر: يتحدث عن كتمان الحب.
  • باب الكشف والإذاعة: يعرض حال المحب عندما يصعب عليه كتمان حبه.
  • باب الطاعة: تناول طاعة المحبوب وتأثيرها.
  • باب المخالفة: يتناول تبعات اتباع الشهوات.
  • باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها: يتحدث عن أثر حب الصفات الفريدة.
  • القنوع: يبرز أهمية التكيف في الحب.
  • باب الوفاء: يُشدد على الوفاء في العلاقات.
  • الغدر: يتحدث عن مذمومية الغدر في العلاقات.
  • الضنى: يناقش الأوقات الصعبة التي يعاني منها المحب.
  • الموت: يتحدث عن العواقب العاطفية المميتة.

أبواب آفات الحب

أبواب آفات الحب
أبواب آفات الحب

تشمل الآفات الستّة في الحب، ووفقًا لرؤية ابن حزم، اعتبارها من الأمور السلبية.

  • العاذل
  • الرقيب
  • الواشي
  • الهجر
  • البَيْن
  • السلو

أبواب الخِتام

أبواب الخِتام
أبواب الخِتام

اختتم ابن حزم رسالته في الحب ببابين هامين، وهما:

  • باب قبح المعصية
  • باب فضل التعفف

أسلوب ابن حزم في كتاب “طوق الحمامة”

أسلوب ابن حزم في كتاب “طوق الحمامة”
أسلوب ابن حزم في كتاب “طوق الحمامة”

يتميز ابن حزم بنمط أسلوبي فريد، حيث يتصف أسلوبه بالسلاسة مع اهتمامه بالجانب النقدي. ولجأ إلى استشهادات من القرآن والحديث، مما يعكس ثقافته الديناميكية. ويظهر تأثره بالفلسفة في الكتاب، حيث دمج بين النصوص الإسلامية ومساهماته الفكرية.

اعتمد ابن حزم على العقلانية في تحليلاته، مما أضفى طابعًا علميًا على أعماله. تركزت دراسته عن الحب على الواقعية لأحداث عايشها أهل الأندلس.

التقنيات السرديّة في “طوق الحمامة” لابن حزم

التقنيات السرديّة في “طوق الحمامة” لابن حزم
التقنيات السرديّة في “طوق الحمامة” لابن حزم

استخدم ابن حزم تقنيات سردية متعددة، تشمل:

  • السرد: طريقة نقل الرواية والأحداث.
  • تعدُّدية الضمائر: الاستخدام المتنوع للضمائر بين الغائب والمتكلم والمخاطب.
  • تنكير الشخصيّة: يضفي حريّة في تطوير الأحداث.
  • الحوار: يعكس تفاعلات الشخصيات من خلال الحديث.
  • الاسترجاع: العودة إلى ذكريات وتجارب سابقة.
  • الوصف: استخدام أسلوب الوصف الإيحائي لنقل المشاعر.

أثر البيئة الاجتماعيّة في كتاب “طوق الحمامة”

أثر البيئة الاجتماعيّة في كتاب “طوق الحمامة”
أثر البيئة الاجتماعيّة في كتاب “طوق الحمامة”

تنعكس تأثيرات البيئة الاجتماعية التي عاش فيها ابن حزم على نتاجه الأدبي من خلال:

  • قوة اللغة العربية وتنوعها.
  • زيادة الأديبات والجواري المثقفات.
  • الأجواء الاجتماعية الغنية بالأحاسيس والمشاعر.
  • البيئة النسوية التي أثرت في معرفته بقضايا الحب والجمال.