خلق الرسول عليه الصلاة والسلام مع أهل الذمة
أرسل الله -تعالى- نبيه محمدًا -عليه الصلاة والسلام- ليكون رحمةً لكل الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. كان مثالًا للكمال البشري في مختلف علاقاته، مع خالقه ومع الآخرين. وقد وصفه جابر -رضي الله عنه- بقوله: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا)، مما يعكس طبيعته السهلة ولطفه وكرم أخلاقه -عليه الصلاة والسلام-. وهذا ما يتضح من تعامله مع غير المسلمين، حيث أَمَّن لهم حقوقهم في النفس والمال والعرض، ماداموا ملتزمين بأحكام الدولة الإسلامية. يسعى الإسلام إلى بناء مجتمع إنساني يسوده العدل والرحمة، وهناك العديد من الأدلة التي تدعو إلى حسن المعاملة مع غير المسلمين، مما يشجعهم على الدخول في الإسلام. فقد تعرض النبي -عليه الصلاة والسلام- لأذى كبير من أهل مكة، ورغم ذلك لم يدعُ عليهم، بل دعا لهم أن يهديهم الله.
يمتاز النظام الإسلامي بشريعة متكاملة تشمل جميع فئات المجتمع دون تمييز على أساس العرق أو الدين. أهل الذمة لهم عهد الله ورسوله والمجتمع الإسلامي، ويعيشون بأمان من الأخطار الخارجية، ويحق لهم العمل واكتساب الرزق. الإسلام يقوم على مبادئ الرحمة والعدل والسماحة، ويحرص على حقوق الإنسان وكرامته كما ورد في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ…)
إحسان النبي وأصحابه في التعامل مع اليهود والنصارى
إحسان النبي في التعامل مع اليهود والنصارى
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- نموذجًا للرحمة والتسامح، فقد وصفت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شخصيته بالقول: (ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمرَيْنِ إلَّا أَخَذَ أيْسَرَهُمَا…). إن صور التسامح في منهجه عديدة، ومنها رحمته بالخلق جميعًا، كما جاء في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). وقد دعا النبي للأشخاص الذين آذوه بالهداية، مثلما فعل مع الطفيل بن عمرو وأم أبي هريرة. بعد فتح خيبر، أظهر النبي معاملة عظيمة لم يأتي بها غيره؛ حيث أعاد صُحُف التوراة إلى اليهود بعد أن طلبوها منه.
أجاز الإسلام التعامل مع اليهود والنصارى في حدود معينة، وقد تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع رجل يهودي يُدعى أبو الشحم. الإسلام منح أهل الذمة حقوقًا كاملة بما فيها حرية الدخول في الإسلام، وقد أسس النبي مواثيق لضمان حقوقهم بعد هجرتهم إلى المدينة. كان يكرمهم ويبرُّهم، وسمح لهم بأن يؤدوا صلواتهم في المساجد. الصحابة، كعمر بن الخطاب، سلكوا هذا النهج بعد وفاته.
قامت العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أسس متينة من الإحسان والتسامح، مع ضمان حقوقهم في العبادة. هذه المبادئ أوصت بها النبي في كثير من المواقف، مثل المعاهدات التي أبرمها مع اليهود والنصارى. عدم دخولهم في الإسلام لم يكن مبررًا لقتالهم، بل كان يُعتبَر خرق العهود أو التآمر ضد المسلمين هو السبب المشروع لذلك.
إحسان الصحابة في التعامل مع اليهود والنصارى
تاريخ الصحابة يشهد على تسامحهم مع غير المسلمين، فلم يكن هناك أي تضييق أو إكراه في الإسلام. كان الخلفاء الراشدون يعينونهم بالمال عند الحاجة، ما يظهر بوضوح في حكم أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في دعم من يحتاج من أهل الذمة. عمر بن الخطاب أيضًا أظهر إحسانًا لليهود، حيث ساعدهم مادياً ومساعدتهم في كفالتهم عند الحاجة.
عندما فتح المسلمون الشام والعراق، استشعر أبو عبيدة -رضي الله عنه- خطر الروم، فأعاد الجزية لأهل حمص ودمشق مؤكدًا على عدم قدرتهم على حمايتهم، مما أثار إعجابهم بعدل المسلمين. مثال آخر لإحسان الصحابة هو عندما تدخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لصالح المسيحية عندما شكت امرأة مسيحية من عمرو بن العاص، حيث قام بإعادة حقوقها كاملة دون تردد.
أهمية الإحسان إلى غير المسلمين
تكمن أهمية الإحسان إلى غير المسلمين في ربط قلوبهم بالإسلام، كما يتضح من قصة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- حينما استأذنت النبي -عليه الصلاة والسلام- لزيارة أمها غير المسلمة، فأذن لها بذلك. يراد من الإحسان إبعاد غير المسلمين عن الشرك وأساليب الدعوة لهم، حيث أمر الله بالإحسان إليهم ما لم يقاتلونا، كما ورد في قوله: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ…).