قصيدة: ودّع هريرة
وهي عمل شعري للشاعر الأعشى:
ودّعْ هريرة َ إذا كان الركبَ مرتحلُ،
فهل تقدر على وداعٍ أيها الرجلُ؟
غَرّاءُ، فَرْعَاءُ، مَصْقُولٌ عَوَارِضُها،
تَسيرُ برفقٍ كما يمشي الوَجلُ، كأنّ مشيَتَها من بيت جارَتها.
كَمرّ السحابة، لا ريثٌ ولا عجلُ، تتلقى الحليَّ وَسْوَاساً إذا انصرفتْ.
كَما استَعدّتْ لِصُحبةٍ زَجِل، فليست كمن يكره الجيران طلعتها،
ولا تراها لسرّ الجار تُخادِعُ، يكاد يُصَرَعُها، لولا تَشَدُّدُها،
إذا قامت إلى جاراتها، الكَسلُ، إذا تُعالِجُ قِيَناً ساعةً، فتَرَتْ،
واهتَزَّ منها ذَنُوبُ المَتنِ والكَفَل.
مِلءُ الوِشاحِ وِصُفْرُ الدّرعِ بها كَهنَةٌ،
إذا أتت تُشبه الخصر الذي يَنْخَزِلُ.
صدّتْ هريرة عنّا ما تكلّمنا،
جهلاً بأمّ خليدٍ، حبلٌ من تصلُ؟
أأن رأتْ رجلاً أعشى أضرَّ بها،
لذّةً، لا فهي جافٍ ولا تَفِلُ.
هركولةٌ، فنقٌ، درمٌ تحنو برفقتها،
كأنّ أخمصَنها بالشوكِ منتعلُ.
إذا قامت، يضوءُ المسكُ أصواتْ،
والزنبقُ الوردُ من أردانها شمل،
ما روضةٌ من رياض الحزن مُعشبةٌ،
خضراءُ، جادَ عليها مَسْبِلٌ هاطِلُ،
يُضاحك الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ.
مؤزرٌ بجميم النباتٍ مكتملٌ،
يوماً بأطيبَ منها نشر رائحة،
ولا بأحسنَ منها إذ دنا الأصلُ،
علّقتها عرضاً، وعلّقت رجلاً
غيري، وعُلّقَ أُخرى غيرها الرجلُ،
وعُلّقَتْهُ فَتاةٌ، ما يُحاولُها،
من أهلها مَيّتٌ يَهذي بها وهلُ.
وعُلّقَتْني أُخرى، ما تُلاءمُني،
فاجتمعَ الحبّ حبّاً كُلّهُ تَبِلُ،
فكلّنا مُغرمٌ يَهذي بصاحبِه،
نائٍ ودانٍ، ومحبولٌ ومحتبلُ.
قالتْ هريرةُ لما جئتُ زائرَها:
وَيْلي عليكَ، وَوَيْلي منكَ يا رجلُ،
يا مَن يَرَى عارضًا قَد بتُّ أرقُبهُ،
كأنما البرقُ في حافاته الشُعلُ،
له ردافٌ وجوزٌ مُفأمٌ عَملٌ،
منطقٌ بسجالِ الماءِ المتصل،
لم يُلهني اللهو عنهُ حين أرقُبُهُ،
ولا اللذاذةُ من كأسٍ ولا الكسلُ.
فقلتُ للشربِ في درني وقد ثملوا:
شيموا، وكيفَ يَشيمُ الشاربُ الثملُ؟
برقاً يُضيءُ على أجزاعِ مَسقطِه،
وبالخبيبةِ منه عارضٌ هاطِلُ.
قالوا نيمارٌ، فبطنُ الخالِ جادهما،
فالعسجدية فالأبلى فالرجلُ،
فالسفحُ يجري فخِنزيرٌ فبُرقَتُه،
حتى تدافعَ منهُ الرّبوُ، فالجبلُ،
حتى تحمّلَ منهُ الماءَ تكلفةً،
روضُ القطا فكثيبُ الغينة السهلُ،
يسقي دِياراً لها قد أصبحتْ عُزَباً،
زوراً تجانبَ عنها القودُ والرُسُلُ،
بلدةً مثلَ ظهرِ الترسِ موحشةٌ،
للجنّ بالليلِ في حافاتها زجَلُ،
لا يتمنى لها بالقيظِ يركبُها،
إلا الذينَ لهم فيما أتوا مهَلُ.
جاوزتها بطليحٍ جسرةٍ سَرَحٍ،
في مرفقَيْها إذا استعرضتها فتَل.
إما تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعَالَ لنا،
إنّا كذلك ما نحفى وننتعلُ.
فقد خالستُ ربّى البيتِ غفلتهُ،
وقد يحاذر مني ثم ما يألُ.
وقد أقودُ الصبَى يوماً فَيَتبعُني،
وقد يصاحبني ذو الشرةِ الغزلُ،
وقد غَدوتُ إلى الحانوت يتبعني.
شاوٍ مشَلٌ، شَلُولٌ، شُلشُلٌ، شَوِلُ،
في فتيّةٍ كسيوفِ الهندِ قد علموا.
أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحِيَلُ،
نازعتهم قضبَ الريحانَ متكئاً،
وقهوة مزّة راووقها خضلُ،
لا يستفيقون منها، وهي راهنة،
إلا بهذا! وإن علوا وإن نهلوا،
يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ،
مُقلِصٌ أسفلَ السربالِ مُعتملُ،
ومستجيبٍ تخالُ الصَنجَ يسمعُهُ.
إذا تَرَجّعُ فيه القينةُ الفضلُ.
من كلّ ذلك يوم قد لهوتُ به،
وفي التجرِبِ طولُ اللهوِ والغزلِ،
والساحباتُ ذيولَ الخزّ آونةً،
والرافقاتُ على إعجازها العجلُ،
أبلغْ يزيدَ بني شَيبانَ مألكةً،
أبا ثُبَيْتٍ! أما تَنفَكَ تأتَكلُ؟
ألستَ مُنتهياً عن نحتِ أثلَتنا،
ولستَ ضائِرَها ما أطّتِ الإبلُ؟
تُغري بنا رَهطَ مَسعُودٍ وإخوَتِه،
عند اللقاءِ، فتُردي ثم تَعْتَزِلُ.
لأعرفنَّك إن جدّ النفيرُ بنا،
وشبَّتِ الحربُ بالطوّافِ واحملوا.
كناطحٍ صخرةً يوماً ليفلقها،
فلم يضرها، وأوهى قرنهُ الوعلُ.
لأعرفنَّك إن جدّتْ عداوتنا،
والتمسَ النصر منكم عوضُ تحتملُ.
تلزمُ أرماحَ ذي الجدّينِ سورتنا،
عند اللقاءِ، فتُرْدِيهِمْ وَتَعْتَزِلُ.
لا تقعدنّ، وقد أكلتها حطباً،
تعوّذَي من شرّها يوماً وتبتهلُ.
قد كانَ في أهلِ كَهفٍ إن هم قعدوا،
والجاشريّة مَن يسعى وينتضِلُ.
سائلْ بني أسدٍ عنّا، فقد علموا
أن سوفَ يأتيكَ من أنبائنا شَكَلُ.
واسألْ قُشَيراً وعبدَ الله كُلَّهُمُ،
واسألْ ربيعَة َ عَنّا كَيْفَ نَفْتَعِلُ.
إنّا نُقاتلُهم ثمّتَ نَقْتُلُهُم عِندَ اللقاءِ،
وهم جاروا وهم جهلوا.
كلا، زعمتم بأنا لا نقاتلكم،
إنّا لأمْثَالِكُمْ، يا قومَنا، قُتُولُ.
حتى يظلّ عميدُ القومِ مُتّكئاً،
يدفع بالرَّاحِ عَنْهُ نِسْوتٌ عُجُلُ.
أصابَهُ هِنْدُوَانيٌّ، فأقصدَهُ،
أو ذابلٌ من رماحِ الخطّ معتدلُ.
قد نطْعَنُ العَيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ،
وقد يشيطُ على أرماحنا البطلُ.
هل تتنهون؟ وَلا ينهى ذوِي شَططٍ
كالطّعن يذهب فيه الزّيتُ والفتلُ.
إني لَعَمْرُ الذي خَطّتْ مَنَاسِمُها
لهُ وسيقَ إليهِ الباقرِ الغيلُ.
لئن قَتَلْتُم عميدًا لم يكنْ صددًا،
لنقتلن مثلهُ منكم فنجتَثِلُ.
لئن مُنيتَ بنا عن غبّ مَعرَكةٍ،
لم تُلفِنَا من دماءِ القومِ نَنْتَفِلُ.
نحن الفوارسُ يومَ الحنو ضاحيةً
جنبي “فطينَة” لا ميلٌ ولا عزلُ.
قالوا الرُّكُوبَ! فقلنا تلْكَ عادَتُنَا،
أو تنزلونَ، فإنّا معشرٌ نزلُ.
قصيدة: أبيات غزل
هي قصيدة للشاعر محمود درويش، وإليكم نص القصيدة:
سألتك: هزّي بأجمل كفّ على الأرض، غصن الزمان! لتسقط أوراق ماض وحاضر،
وَليولد في لمحة توأمان: ملاك.. وشاعر!
ونعرف كيف يعود الرماد لهيباً إذا اعترف العاشقان!
أتفاحتي! يا أحبّ حرام يباح،
إذا فهمت مقلتاك شرودي وصمتي.
أنا، عجبًا، كيف تشكو الريح، بقاياك لديك؟ وأنتِ خلودنا، النبيذ بصوتك،
وطعم الأساطير والأرض.. أنت!
لماذا يسافر نجم على برتقالة، ويشرب، يشرب، يشرب حتى الثمالة؟
إذا كنت بين يدي، تتفتت لحن، وصوت ابتهالك.
لماذا أحبك؟ كيف تخرّ بروقي لديك؟
وتتعب ريحي على شفتيك، فأعرف في لحظة،
بأنّي وسيم.. لأنّي لديك!
أتبقين فوق ذراعي حمامة، غمّس منقارها في فمي؟
وكفّك فوق جبيني شامة، تخلد وعد الهوى في دمي؟
أريدك عندي خيالاً يسير على قدمين، وصخر حقيقة،
يطير بغمرة عين!
قصيدة: قل لي
وتعود هذه القصيدة للشاعرة سعاد صباح، وإليكم نص القصيدة:
قل لي، هل أحببت امرأة قبلي؟
تفقّد، حين تكون بحالة حب، لا العقل..؟
قل لي.. قل لي، كيف تصير المرأة حين تحب؟
شجيرة فل؟ قل لي، كيف يكون الشبه الصارخ بين الأصل، وبين الظل،
بين العين، وبين الكحل؟ كيف تصير امرأة عن عاشقها،
نسخة حب طبق الأصل؟..
قل لي لغة لم تسمعها امرأة غيري…
خذني نحو جزيرة حبٍ لم يسكنها أحد غيري..
خذني نحو كلام خلف حدود الشعر.
قل لي: إنّي الحبّ الأول.
قل لي: إنّي الوعد الأول.
قطر ماء حنانك في أذني،
ازرع قمرًا في عينيّ.
إنّ عبارة حب منك تساوي الدنيا… يا من يسكن مثل الوردة في أعماقي،
يا من يلعب مثل الطّفل على أحداقي.
أنت غريب في أطوارك مثل الطفل،
أنت عنيف مثل الموج، وأنت لطيف مثل الرمل..
لا تتضايق من أشواقي، كرّر. كرّر اسمي دائماً
في ساعات الفجر.. وفي ساعات الليل، قد لا أتقن فن الصمت..
فسامح جهلي.. فتّش. فتّش في أرجاء الأرض،
فما في العالم أنثى مثلي… أنت حبيبي. لا تتركني
أشرب صبري مثل النخل… إنّي أنت.. فكيف أفرّق بين الأصل وبين الظل؟
قصيدة: ويبقى الحبّ
هذه القصيدة للشاعر فاروق الجويدة، وإليكم نص القصيدة:
أترى أجبتِ على الحقائب عندما سألت: لماذا ترحلين؟
أوراقك الحيرى تذوب من الحنين،
لو كنت قد فتّشت فيها لحظة، لوَجدت قلبي تائه النبضات في درب السنين.
وأخذت أيامي وعطر العمر.. كيف تسافرين؟
المقعد الخالي يعاتبنا على هذا الجحود.
ما زال صوت بكائه في القلب، حين ترنّح المسكين يسألني: ترانا.. هل نعود؟
في درجك الحيران نامت بالهموم،
قصائدي كانت تئنّ وحيدة مثل الخيال الشارد.
لم تهجرين قصائدي؟ قد علمتني أنّنا بالحبّ نبني كلّ شيء.. خالد.
قد علمتني أنّ حبّك كان مكتوباً كساعة مولدي.
فجعلت حبّك عمراً مسى حلم يومي.. وغدي.
إنّي عبدتك في رحاب قصائدي، والآن جئت تحطمين معابدي؟
وزجاجة العطر التي قد حطّمَتها.. راحتاك،
كم كانت تحدّق في اشتياق كلما كانت.. تراك. كم عانقت أنفاسك الحيرى.
فأسكَرَها.. شذاك.
كم مزّقتها دمعة.. نامت عليها.. مقلتاك.
واليوم يغتال التراب دماءها،
ويموت عطر كان كل مناك!!
والحجرة الصغرى.. لماذا أنكرت يوماً خُطانا؟
شربت كؤوس الحبّ منّا وارتوى فيها.. صبانا.
والآن تحترق الأماني في رباها..
الحجرة الصغرى يعذبني.. بكاها.
في الليل تسأل ما الذي صنعت بنا يوماً؟
لتبلغ.. مُنتهاها؟
الرّاحلون على السفينة يجمعون ظلالهم،
فيتوه كلّ الناس في نظراتي.
والبحر يبكي كلما عبرت بنانسمات شوق حائر الزفرات.
يا نورس الشط البعيد أحبّتي،
تركوا حياةً لم تكن كحياتي.
يسلكوا طريق الهجر بين جوانحي.
يحفروا الطريق.. على مشارف ذاتي.
يا قلبها.. يا من عرفت الحبّ يوماً عندها،
يا من حملت الشوق نبضاً في حنايا صدرها.
إنّي سكنتُك ذات يوم، كنت بيتي.. كان قلبي بيتها.
كلّ الذي في البيت أنكرني،
وصار العمر كهفاً.. بعده.
لو كنت أعرف كيف أنسى حبّها..
لو كنت أعرف كيف أطفئ نارها..
قلبي يحدّثني يقول بأنّها، يوماً.. سترجع بيتها.
أتُرى سترجع بيتها؟ ماذا أقول؟ لعلّني.. ولعلّها..
قصيدة: امرأة البحر
هذه القصيدة للشاعرة غادة السمان.
رسم لي بالطبشور دائرة على الجدار
وقال لي: قفي داخلها… فانطلقت هاربة
إلى شوارع البحر. غاضبًا لحق بي
غاضبًا زقزق في وجهي، وقرّعني
وقال إن القضية جادة
وإن “البث مباشر” ويجب أن أعود معه إلى (الستديو)
لأقف وسط دائرة الطباشير
وتحت دائرة الضوء.
مسكينة ومبتلة، كم تسول شتائي
حاولت أن أقول له
إنني أنا أيضًا جادة !
ولكنني (أبداً أبداً) لن أتركه يسجنني
داخل دائرة مرسومة بالطباشير
على جدار ما.. أرض ما.. مسرح ما..
لن أتركه يسجنني،
لا باسمه، ولا باسم الحب، ولا باسم الشهرة،
ولا باسم أحد.